أهمية دراسة تاريخ حقوق الإنسان
لدى دراسة موضوع حقوق الإنسان والحريات العامة يلاحظ انه قد مر عبر مراحل مختلفة، بدءا بالحضارات القديمة وصولا للعصر الحديث. ومن أبرز محطات تطور الموضوعة الحقوقية تمثلت بالحضارة البابلية، وتجلت بشكل واضح في مجموعة قوانين حمورابي، مرورا بالحضارة الإغريقية والرومانية وصولا لعهد الشرائع الدينية وما تضمنته من خلاصة حقوقية كاليهودية والإسلامية، وكذلك الإعلانات الأوربية كإعلان الحقوق في بريطانيا وإعلان الاستقلال الأمريكي وإعلان حقوق الإنسان والمواطنة في فرنسا. وجراء الانتهاكات الخطيرة التي تعرضت لها الإنسانية في مرحلة ما بين الحربين، نالت موضوعة حقوق الإنسان اهتماما دوليا رسميا، وتبلورت بشكل جلي عام 1945م. بتضمينها في نص ميثاق هيئة الأمم المتحدة. إلا أن الميثاق الأممي لم يحدد بما فيه الكفاية الحقوق التي أشار إليها، مما مهد لظهور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948م. يتألف من 30 مادة تكفل حقوق متساوية لكل الناس. وازداد الاهتمام الدولي بالحقوق العامة فظهرت للوجود الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الدولية للحقوق الثقافية والاجتماعية عام 1966م. وكان من أهم أهداف هذه المواثيق تعزيز واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ولتحقيق هذه الأهداف تم إنشاء لجنة حقوق الإنسان لدى هيئة الأمم المتحدة، وأنيط بها رصد وكشف انتهاكات حقوق الإنسان في العالم. وبالرغم مما تقدم ذكره من جهود، مازالت تعتور مصونية حقوق الإنسان نواقص جمة، وتمر بأزمة عالمية هي في حقيقتها جزء من أزمة هيئة الأمم المتحدة ذاتها خاصة في هذه المرحلة. فبالرغم من العدد الهائل من الإعلانات والمواثيق الدولية والإقليمية الوطنية بشأن حماية حقوق الإنسان إلا أنها مازالت عاجزة عن ذلك في أغلب بقاع الأرض. واحدة من صور عطالة الشرعة الدولية تتجلى بما يتعرض له الشعب الفلسطيني والانتهاكات الخطيرة التي تجري في الأراضي المحتلة من قبل الصهاينة. ومن أهم أسباب عدم فاعلية هذه القرارات هو اصطدامها بمصالح الدول الكبرى، التي بيدها مفاتيح قرارات التنفيذ. لقد صدرت عشرات القرارات عن هيئة الأمم المتحدة تطالب الصهاينة بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة ولم تنفذ لأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد ذلك. عموما لن يصعب على المتتبع المنصف لمراحل تاريخ تطور الشرعة الدولية أن يلحظ أن الإسلام بمجيئه وضع نظاما شاملا للحياة يحقق العدل والمساواة، واشتمل على مبادئ سامية وأغراض نبيلة تجلت في بداية الدعوة بنبذ العبودية. لذا يمكن القول أن حقوق الإنسان اقترنت بالإسلام مند انبلاجه، وتضمن النص القرآني شرعة حقوقية إنسانية لم يسبقه إليه تشريع آخر في العالم، ولنا في نص خطبة حجة الوداع مضامين حقوقية جمة، وفي هذا السياق تأتي المقولة الشهيرة لعمر بن الخطاب بصيغة الاستفهام “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار.ا!”؟ تعتبر المبادئ القرآنية موضوعة قانونية خالدة وتظل صالحة للتطبيق لكل زمان ومكان، لأنها مبادئ عامة وقواعد كلية. أما الجزئيات المتبدلة والتي تتبع الزمان والمكان يتصدى لها العلماء وفقهاء القانون أصولا حسب الزمان والمكان. لقد كان الإسلام سباقا بالاهتمام بحقوق الإنسان قبل ظهور المواثيق الدولية بأربعة عشر قرنا من الزمان. إن اغلب المواثيق الخاصة بحقوق الإنسان التي هي قيد البحث في محاضرة اليوم تستند لنظرية القانون الطبيعي واعتباره من المرتكزات الأساسية لها وانه يلتقي مع التشريع الإلهي، لأن القاعدة الحقوقية الأساسية فيما يخص كرامة الفرد وحقوقه وحرياته الأساسية متضمنة في النص القرآني. ختاما نحن نؤكد على قيمة الاتفاقيات الإقليمية وأولويتها على الإعلان العالمي وذلك لتناولها خصوصيات إقليمية بدقة إضافة للتجانس بين الدول الموقعة على مثل هذه الاتفاقيات، سيما وأنه زمن التكتلات الإقليمية ويظهر هذا واضحا في التطبيق للاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان التي أنشأت محكمة خاصة لحمايتها وبهذا أصبحت واقعا ملموسا لا يمكن تجاهله في صالح مصونية حقوق المواطن الأوروبي.
——————————
* المادة ملخص موجز عن محاضرة د. رمضان بن زير أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان ورئيس المنتدى الثقافي العربي ببريطانيا.