الإرهاب يضرب تونس. هل ستصمد الديمقراطية الوليدة
كثيرة هي الضربات الموجعة التي وجهها الإرهاب إلى تونس ، من باردو إلى سوسة إلى التفجير الإرهابي الأخير مساء يوم الثلاثاء 24 نوفمبر ، الذي أدى إلى مقتل 12 جندي من قوات الحرس الرئاسي ، وفي قلب العاصمة تونس . والسؤال هنا لماذا يضرب الإرهاب تونس؟ هل تونس الدولة المسالمة وبمساحتها الصغيرة التي لا تتجاوز 163 ألف كم2 تشكل خطراً على احد؟ ليس خفياً بان ضربات الإرهاب الموجعة ، من تفجيرات ، واغتيالات ، وغيرها تشل الاقتصاد التونسي وتدفع بالبلاد نحو هوة عميقة لا قرار لها ، بل تجعلها مجبرة على الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية ، خاصة عندما تصبح وجهة غير أمنة للسواح القادمين من أوروبا ، فتفقد من جراء ذلك ملايين السواح وما يدره قدومهم من موارد على الدولة التونسية ، لقد رائنا أولئك السواح الأجانب وهم يهربون من تونس ، عقب هجمات سوسة في يونيو /حزيران من هذا العام ، وتلك الحجوزات التي ألغتها شركات السياحة العالمية ، والتي كان الاقتصاد التونسي بأمس الحاجة لها ، ولقد تكبد قطاع السياحة في تونس خسائر فادحة ، نتيجة الإرهاب والتوترات الأمنية وعدم الاستقرار ، حيث صرحت وزيرة السياحة التونسية سلمى أللومي ، عقب هجوم سوسة في يونيو/حزيران قائلة: (إن بلادها تتوقع تكبد قطاعها السياحي خسائر لا تقل عن 515 مليون دولار في عام 2015م بعد الهجوم على منتجع سياحي في سوسة) وقد حققت تونس إيرادات قدرها 1.95 مليار دولار من السياحة في عام 2014م ، بينما بلغت إيرادات السياحة 2.8 مليار دولار في عام 2013م ، كما كشفت وزارة السياحة عن تراجع دخل السياحة في الشهرين الأولين من عام 2015م بنسبة 2.1% ، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي ، وفي ظل استمرار الهجمات الإرهابية ، فان مستقبل السياحة التونسية والاقتصاد التونسي يبدو قاتماً جداً وغير مبشر، فهل كل هذا الإرهاب هو جهاد مشروع من اجل إقامة دولة الخلافة كما يزعمون؟ آم انه هناك خفايا وحقائق أخرى؟ وهل يعقل بان الجهاد من اجل إقامة دولة الخلافة يكون ثمنه دماء المسلمين ؟ بينما يترك عدو ألأمة الحقيقي لا يقاتله احد ؟ إننا على ثقة بان الشعارات الإسلامية البراقة ، التي تفتن كثير من شباب العرب والمسلمين ، ليست إلا ستار لأهداف أخرى لا تمت للإسلام بصلة ، ولقد تبنى تنظيم داعش المسؤولية عن تفجير حافلة الأمن الرئاسي في تونس العاصمة ، وإذا أخذنا في الاعتبار تلك الهجمات المؤلمة ، التي تعرضت لها باريس ، وما جرى في بلجيكا ، وهجمات باماكو ، نجد بأن دول شمال أفريقيا مهددة أكثر من أي وقت مضى ، وان المنطقة مقبلة على تحديات أمنية واقتصادية كبرى ، لا يمكن لتونس بمفردها أن تواجهها ، أو ليبيا أو الجزائر ، لابد من عمل جماعي ، وتفعيل اتفاقيات التعاون الأمني ،وتوقيع إتفاقية دفاع مشترك لدول المغرب العربي ، لان الإرهاب اليوم وصل إلى اخطر مراحله ، وأصبح يمثل مشروع دولة ، ولا تقوم دولته إلا على أنقاض الدول العربية القائمة منذ سايكس بيكو في عام 2016م ، إن ضربات الإرهاب التي تستهدف تونس تلقي بضلالها على الاقتصاد التونسي ، حيث أظهرت أرقام رسمية بأن نمو اقتصاد تونس تباطأ خلال الربع الأول من 2015 إلى 7ر1 % وهو أسوأ معدل منذ ثلاث سنوات ، بينما كان معدل النمو في الربع الأخير من عام 2014م عند 3ر2 % ، وقال معهد الإحصاء الحكومي في بيانات نشرها مؤخراً : ( إن تراجع النمو في الربع الأول يرجع إلى انخفاض نمو القطاع الصناعي بنسبة 7ر3 % مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي ) كما يؤكد الخبير الاقتصادي معز الجودي على ارتفاع العجز التجاري في عام 2014 م إلى 13.7 مليار دينار (6.7 مليار دولار) ، وأوضح أن الحكومة تشكو صعوبة في تعبئة موارد كافية لنفقاتها ، بسبب ارتفاع المصاريف مثل الأجور والتي ارتفعت بنحو 11.2 مليار دينار (5.6 مليار دولار) وخدمات الدين بنحو 5.2 مليار دينار (2.4 مليار دولار ) ، كما أن نسبة البطالة في تونس قد بلغت 35% بين أوساط الشباب وخريجي الجامعات ،وهي نسبة مرتفعة جداً خاصة في ظل ضربات الارهاب الموجعة مما يجعل السلم الاجتماعي في خطر ، وقد تراجعت القدرة الشرائيّة للمواطن التونسي بشكل حاد خلال عام 2014م ، نتيجة موجة الغلاء وارتفاع مؤشّر التضخّم الذّي بلغ معدّلات عالية مسجّلا نسبة 5.6% خلال الأشهر الأولى من عام 2015م ، كما أشارت وزارة الشؤون الاجتماعية في تقريرها إلى أنّ نسبة الفقر في تونس تجاوزت في عام 2014م نسبة 24% ، وفي مؤشر التنافسية وفق تقرير منتدى دافوس الذي صدر في 30 سبتمبر عام 2015م ، نجد أن تونس قد احتلت المرتبة 92 في تصنيف التنافسية متراجعة بخمس مراتب مقارنة بتصنيف عام 2014م ، حيث كانت في المرتبة 87 ، وبـ 52 مرتبة مقارنة بتصنيف عام 2011م ، عندما احتلت المرتبة 40 ، وتحتل تونس وفق التقرير الجديد المرتبة العاشرة عربياً ، والثامنة إفريقيا ، إن كل ما سبق يؤكد حاجة تونس للتمويل الأجنبي ، والاقتراض من الخارج ، وهو مؤشر على سيناريو سئ ، سيجعل تونس واقتصادها رهناً للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، وسياساتهما الجائرة في حق كثير من دول العالم الثالث ، يحدث هذا في الوقت الذي بلغت فيه ديون تونس الخارجيّة خلال شهر مارس من عام 2014م ما يقارب 25 مليار دينار ، مستنزفة بذلك 40% من الناتج المحليّ الخام ، وفي ميزانيّة عام 2015م فقد أظهرت تطوّر الديون الخارجيّة بنسبة 2.2% ، إن ضربات الإرهاب التي تستهدف تونس تخفي وراءها مخطط خطير ، للإجهاض على التجربة الديمقراطية الوليدة، لأنه هناك كثير من الدول والقوى الكبرى التي لاتريد أن تنجح الديمقراطية في دول الربيع العربي ، والغرب يخشى من أن نجاح الديمقراطية في المنطقة العربية ، سيؤدي إلى بروز نخب وطنية ، وقيادات تاريخية خارج سيطرتها ، وتعمل لصالح شعوبها وتؤمن بقومية المعركة على ارض فلسطين ، وترفض مخططات قوى الاستعمار في المنطقة العربية ، ولقد رائنا كيف تؤاطات بعض الدول الغربية لإجهاض الديمقراطية في موريتانيا في عام 2008م ، عندما انقلب الجنرال محمد ولد عبد العزيز على الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله ، إن تونس اليوم في مفترق طرق ، وعلى النخبة الوطنية والمثقفين في تونس ، أن يوحدوا جهودهم لإنجاح التجربة الديمقراطية الوليدة ، والدفاع عن تونس مما يحاك لها في الخفاء ، وان يدركوا بان علاقات تونس مع ليبيا والجزائر ، هي علاقات إستراتيجية ومصيرية ، تؤكد ذلك حقائق التاريخ والجغرافيا.