احتضن صالون المنتدى الثقافي العربي في لندن ندوة وحوار حول مستقبل التعايش بين العرب وجيرانهم، الكورد والأمازيغ مثالا. وقد حاضر وأجاب عن أسئلة ومداخلات الحضور كل من:
– د. سيف الدين سليمان في الملف الكردي.
– د. أحمد معيوف في الملق الأمازيغي.
– قدم للندوة وأدار الحوار الإعلامي علي الحاج حسين.
أدناه نص مرجعي قيم عن الملف الكوردي للدكتور سيف الدين سليمان.
#############################
التعايش بين الكرد و العرب في سوريا
ان موضوع التعايش بين المكونات المختلفة في المجتمع الواحد حساس للغاية او بشكل ادق تعايش الاقليات مع الغالبية العربية في بلداننا مثل سوريا ,العراق,المغرب,الجزائر و دول اخرى في منطقة الشرق الاوسط. انا ساتطرق اليوم عن واقع الكرد في سوريا و تعايشهم مع المكونات الاخرى في المناطق الكردية و كذلك مع الغالبية العربية .
بكل بساطة ان مفهوم التعايش تعني غياب العنف و الظلم و الاضطهاد و نفي الآخر . و تعني ايضا الاتفاق و الانسجام و الهدوء , و كل هذه المفاهيم كانت متجسدة في الفسيفساء السوري بكل مكوناته القومية و الدينية قبل مجيء حكم البعث . و قد اثبتت الحياة ان التعايش السلمي لن يتحقق ما لم تتمتع كل مكونات المجتمع من مساحات متساوية في التعبير عن آرائها , و همومها , و طموحاتها.
تعتبر سورية، نموذجًا مصغرًا للخليط الرائع المتعايش في المنطقة. فالاختلاف نعمة إن أُحسن التعايش معه ونقمة إن ساءت إدارته.
كانت سورية بلدًا يتعايش أهله مع تنوعاتهم في إطار وحدة وطنية جامعة لا يتسنى لدول أخرى في المنطقة أن تحلم بها.
إن السبب الرئيسي في اتساع الهوة بين المكونات المجتمعية المختلفة في المجتمع السوري لا يعود برأينا إلى تنوُّع هذه المكونات وإنما إلى وجود إدارة سيئة للتنوُّع كانت تضغط بثقلها الأمني عليه لتحافظ على صورته التعايشية الجميلة غير آبهة بما تخلقه في داخله من احتقانات وأحقاد.
ان الثورة التي فجرها الشعب السوري بمختلف أطيافه, ضد حكم البعث التي اسائت ادارة البلد,كانت ستشكل فرصة تاريخية لتصحيح المسار و ذلك بالقيام بحوار وطني شامل ينتهي بتعاقد اجتماعي جديد يرسي فيه قيم مواطنة قانونية و دستورية و اجتماعية حقيقية , الا أن سوء ادارة الثورة قد افسدت آمال و تطلعات الشعب السوري بكل مكوناته .
يتمتع الشعب السوري, بفسيفساء رائع من المكونات الدينية او القومية و التي كانت متعايشة بسلم و امان و وئام حتى استيلاء حزب البعث على السلطة و بدء اللعب على الوتر الطائفي لا بل حتى على الوتر العائلي ,حيث مارس سياسة خبيثة بعيدة عن قيم المجتمع السوري من زراعة الكراهية بين مكونات المجتمع السوري و حتى بين افراد العائلة الواحدة و كذلك زرع الخوف الوهمي بين الطوائف لتبقى تحت رحمة الاجهزة الأمنية . ان دور الاجهزة الامنية في سوريا لم تكن يوما لحماية الوطن و المواطن و انما زرع الكراهية بين مكونات المجتمع السوري و حماية النظام .
الكرد في سوريا
القومية الكردية هي ثاني قومية بعد القومية العربية في سوريا ,و تقدر نسبة الكرد حوالي 15% من سكان سوريا ,و الاغلبية يعيشون في الشمال و الشمال الشرقي من سوريا من ديريك(المالكية)الى قامشلو الى كوباني البطلة(عين العرب)الى عفرين شمال حلب ,كما ان الكرد منتشرون في حماة و دمشق و اللاذقية و الرقة و مناطق اخرى من سوريا .
لقد قدم الكرد آلاف الشهداء دفاعا عن الوطن السوري بدءا من النضال ضد الاستعمار الفرنسي في الجزيرة السورية و معركة بياندور تثبت بسالة الكرد ضد المستعمر الفرنسي حينما تم قتل جنرال كبير من الجيش الفرنسي في هذه المعركة . كما قدم الكرد قوافل من الشهداء دفاعا عن القضية الفلسطينية في حروبها مع اسرائيل ,و شارك الكرد و بكل اخلاص في بناء الدولة السورية في كافة المجالات و كان منهم روؤساء للدولة و روؤساء وزراء و عدد كبير من الضباط و اذكر هنا حسني الزعيم ,محسن البرازي ,فوزي سلو ,عطاء الايوبي, اديب الشيشكلي.
و في مجال الفن قدم الكرد كوكبة من الفنانين المبدعين اللذين ساهموا في وضع حجر الاساس في المسرح و السينما و اخيرا المسلسلات التلفزيونية امثال عبدالرحمن آل رشي , طلحت حمدي,منى واصف ,و مخرج باب الحارة بسام الملا و المخرج العالمي مصطفى العقاد الذي قتل في عمان اثناء التفجير الانتحاري التي قامت به الارهابية ساجدة في عرس اردني.كذلك في مجال الرياضة .
الاجراءات العنصرية
ان الكرد في سوريا مضطهدين و محرومين من ابسط حقوقهم و تجلى هذا الاضطهاد و التمييز العنصري بعد استلام حزب البعث الحكم في سوريا و من اهم هذه الاجراءات :
الاحصاء الاسود 1962
يعتبر هذا من ابشع الاجراءات العنصرية بحق كرد سوريا و التي قادها الملازم في الامن السياسي محمد طلب هلال و ذلك بهدف عزل المناطق الكردية و نقل السكان العرب بالاكراه اليها على امل تغيير الواقع الديموغرافي و القومي و التركيب السكاني . و على اثر هذا الاحصاء تم سحب و اؤكد على كلمة سحب الجنيسة السورية من اكثر من 300 الف كردي و والدي واحدا منهم بحجة كونهم من اللاجئين الاجانب ,و حرمانهم من جنسيتهم تعني حرمانهم من كل الحقوق اذ لا يحق له السفر و الاستملاك و تثبيت الزواج .هذا الاحصاء العنصري حرم الابن من جنسية اباه و الاخ من جنسية أخاه ظلما و بهتانا فقط لكونه كردي.
و المفارقة المضحكة هنا ان من ضمن هؤولاء اللذين سحبت منهم الجنسية الجنرال توفيق نظام الدين و هو على رأس عمله كرئيسا للاركان في الجيش السوري و كذلك عبدالباقي نظام الدين و هو كان وزيرا و نائبا في البرلمان.
الحزام العربي
كان الهدف من هذا الاجراء العنصري هو تفريغ الشريط الحدودي بين سوريا و تركيا من سكانها الكرد الاصليين بعمق 10-15كم و توطين العرب بدلا عنهم و ذلك لعزل كرد سوريا عن محيطهم الكردي من الجانب التركي .و بناءا هلى هذا القرار العنصري تم طرد آلاف من الكرد من أراضيهم و اللذين توارثوها من اجداد اجدادهم و تم توزيعها على العرب بدون وجه حق ,و تم بناء مستوطنات عربية نموذجية في العمق الكردي و وزعت عليهم اراضي خصبة على طول الشريط الحدودي من اقصى الشمال الشرقي من ديريك(المالكية) الى سري كانيه(رأس العين) بعمق 10-15كم و لا زالوا حتى الآن .
طمس الهوية
و تجلى هذا من خلال منع الاحتفال بالاعياد القومية الكردية كعيد نوروز و منع استخدام و التكلم باللغة الكردية سواء طبع او نشر كتاب او صحف اوتسجيل اغنية كردية و في الفترة الاخيرة تم منع تسجيل اي مولود باسم كردي و كذلك منع تسمية المحال التجارية . و بتوجيهات من وزير الداخلية اصدر مديرية التربية قرارا بعدم التكلم الا باللغة العربية و جاء فيها(هناك بعض المدرسين يتكلمون لغات غريبة تسيء الى اللغة العربية).
ان طمس الهوية الكردية تجلت ايضا بعمليات تعريب اسماء المدن و القرى ذات الاسماء الكردية على سبيل المثال:كوباني( عين العرب) , ديريك ( المالكية ) , ترب سبيه ( قبور البيض ) .
الحصار الاقتصادي
رغم ان المناطق الكردية غنية بثرواتها الباطنية من غاز و نفط ,و كذلك تعتبر هذه المناطق سلة غذاء لعموم سوريا حيث ان خبز سوريا من هذه الاراضي كذلك القطن و اصناف اخرى من المنتجات الزراعية, الا ان الحكومة السورية تعمد الى افقار هذه المناطق . هل يعقل ان يقف الكرد في طوابير لساعات للحصول على ربطة خبز و هم اصحاب هذا الخبز حيث ان 75% من الخبز السوري من هذه الاراضي. و هل يعقل بان يقف المواطن الكردي في طوابير طويلة للحصول على بضعة ليترات من الوقود للتدفئة , و النفط السوري من هذه الاراضي ,هذا ناهيك عن الاهمال المتقصد من قبل الدولة في كافة المجالات , وخفض ميزانية هذه المناطق , اذ لا يوجد و لو جامعة واحدة او معهد واحد في المناطق الكردي .
في الفترة الاخيرة شعرت الحكومة السورية بالحرج بعد ان رأت التطور العمراني و بوتيرة سريعة في هذه المناطق و الفضل طبعا للمغتربين الكرد و المسيحيين اللذين قدموا من اوروبا ,و هذا ادى الى خلق فرص كثيرة للعمل و نقلة اقتصادية هائلة حتى ان قناة الجزيرة في تقريرها الاقتصادي تطرقت الى هذا التطور و الانتعاش الاقتصادي , و هذا طبعا لا يرضي الحكومة السورية لذلك اصدرت المرسوم التشريعي المشؤوم رقم 49 بعد انتفاضة الكرد في قامشلو 2004 و الذي يقضي بمنع البيع و الشراء و البناء في هذه المناطق بحجة كونها منطقة حدودية , و بهذا المرسوم شلت الحركة الاقتصادية في الجزيرة السورية مما ادى الى هجرة الآلاف من العوائل الكردية الى الداخل السوري بحثا عن رزقها.
انتفاضة قامشلو 12آذار2004
نتيجة التغيرات التي حصلت في المنطقة و سقوط النظام الفاشي في العراقي و نيل الكرد لحقوقهم لطالما ناضلوا من اجلها , و كذلك الانفتاح التركي الجزئي للقضية الكردية ,هذا بطبيعة الحال اثلج صدور الكرد السوريين ,و ابدوا هذا الشعور في كثير من المناسبات القومية , لذلك فكر الحكومة السورية في وئد هذا الشعور في مهده قبل ان يتنامى , و ذلك بالقيام بمؤامرة خطط لها في الغرف السرية للامن العسكري بقيادة العميد خضر و ذلك بدفعهم لكثير من رجال الامن و الجواسيس من مدن مختلفة لخلق فتنة في الملعب .
لقد بدء فتيل الانتفاضة من مبارة كرة القدم 12\آذار\2004 , و بموجب خطة معدة لها مسبقا و ذلك بدفع حثالة من المأجورين للامن العسكري باستفزاز مشاعر الكرد و ذلك برفعهم صور الفاشي المقبور صدام حسين و تطاولوا بالسبات و الشتائم على الرموز الكردية , و في خضم هذه الامور ردد الجمهور الكردي شعارهم المفضل آزادي و هنا بدءت ساعة الصفر بالنسبة للامن و قاموا بالهجوم على الجماهير الكردية حيث تم قتل اربعة شهداء , و على اثرها في اليوم التالي قامت انتفاضة عارمة في قامشلو و جميع المدن الكردية و في قلب العاصمة و على مقربة من القصر الجمهوري و في العواصم الاوروبية , و قابل الامن السوري هذه الانتفاضة بطريقة وحشية حيث اطلق الرصاص الحي على المنتفضين و راح ضحيتها 43 شهيدا و مئات الجرحى و آلاف المعتقلين.
للاسف الشديد حتى بعد اندلاع الثورة السورية المجيدة ثورة الكرامة و الحرية ثورة كل السوريين بكل مكوناتهم الا ان الكثير من الاطراف في المعارضة السورية تحمل نفس افكار التعامل البعثي مع القضية الكردية حيث لم يختلف شعارات الامس عن اليوم ,التي تتطلب اعادة النظر بصيغة الدولة من خلال مواطنة كاملة و هوية سورية موحدة ,و ذلك بان تكون سوريا دولة فيدرالية , اذ لم تعد ترضي الكرد السوريين, الصيغ العمومية و الحديث عن اواصر الاخوة او تبرير عدم الاعتراف بالحقوق و تأجيل بحث المطالب لما بعد التغيير , فالقضية الكردية يجب ان تكون في صلب مشروع التغيير و ليست مسألة هامشية فيه, و أن الاستحقاق الكردي يظهر الى العلن كتعبير عن واقع اليم , و هو ليس منَة أو هبة أو هدية من أحد او غير ذلك. انه جزء من الاعتراف بمجتمع متعدد الثقافات و القوميات , و الشعب الكردي جزء من الامة الكردية المجزأة , مثلما هي الشعوب العربية جزء من الامة العربية المجزأة.
و قد آن الاوان ان يواجه الجميع هذا الواقع الجديد بروح الشعور بالمسؤولية , وذلك قبل فوات الاوان, فالكرد في سوريا بعد الثورة لم يعودوا هم انفسهم قبل الثورة , و ما كانوا يقبلون به امس, فانهم سيرفضونه اليوم , و الامل كبير في ان يكون الحل السلمي الديمقراطي للمسألة السورية ككل هو المتحقق,مثلما هو القضية الكردية.